نظريات الإرشاد الاجتماعي
د .سامي عبد العزيز الدامغ
(1) نظرية التركز على العميل:
جوهر النظرية
تعتمد
نظرية التمركز حول العميل على فكرة Rogers حول طبيعة الإنسان الميالة للنمو والتحرك الإيجابي دائماً، ولذلك
فهو يرى ضرورة التركيز على العميل ووصفه وصفاً دقيقاً مع تجنب أي تأويل أو تفسير
أو شرح قد يقود إلى افتراض أن الشخص يجب أن يكون بصفة معينة. وعلى هذا فإن الشخص
إذا لم يجبر على تبنى نموذج معين وتم قبوله بما هو فإنه يصبح فرداً فعالاً وعضواً
جيداً في المجتمع. ولقد استخدام صاحب هذه النظرية مصطلح Humanistic
Phenomenology ويقصد به دراسة النفس البشرية دراسة واقعية علمية لغرض الوصف
العلمي للظواهر الواقعية مع اجتناب كل تأويل أو شرح أو تقييم (1986 Turner).
مفاهيم أساسية:
1- يعيش الأشخاص في مجتمع متغير
ويمرون بخبرات متعددة ويحتلون دائماً المركز الرئيس في هذه العملية.
2- ردة الفعل التي تصدر من الأفراد
نحو بعض الظواهر تتحدد من واقع خبراتهم ومن الطريقة التي يدركون بها هذه الظواهر.
3- أفضل طريقة لفهم سلوك الفرد تكون
من خلال الفهم الكامل للإطار المرجعي الداخلي لهذا الفرد، وهذا يشتمل على الأحاسيس
المختلفة، الإدراك، المعاني والذكريات الموجودة في الشعور.
4- كثير من العادات السلوكية التي
يتبناها الفرد تكون متناغمة مع مفهوم الذات لديه ومفهوم الذات لدى الشخص يعد أحد
المفاهيم الأساسية لنظرية التمركز حول العميل. ويمكن تعريف بمفهوم الذات على أنه
منظومة من الآراء الداخلية تتفق من إدراك الشخص لنفسه بشكل منفرد، إدراكه لنفسه في
علاقته مع الآخرين، إدراكه لنفسه في علاقته بالبيئة والمحيط من حوله.
5- التضارب الذي يحدث بين الأحاسيس
والأماني للفرد وبين السلوك الحقيقي يكون نتيجة للانقسام الذي يحدث بين مفهوم
الذات لدى الفرد وبين خبرته الشخصية.
6- عندما يكون هناك تعارض بين مفهوم
الذات لدى الشخص وخبراته مع الآخرين، يبدأ القلق يظهر لدى الفرد، ويكون هذا القلق
ناتجاً عن التضارب بين المثالية والواقع (1986, Turner).
افتراضات:
1- نتصرف دائماً طبقاً لإدراكنا
للواقع، ومن أجل أن نتفهم مشكلة العميل يجب أن نعرف كيفية إحساسه بهذا الواقع من
حوله.
2- كل فرد يمتلك حاجات أساسية للحب
والتقبل، وهذا يمكن تحويله إلى الاهتمام بعلاقاته واتصاله بمن حوله بحثاً عن
التعاطف، الاحترام، والثقة من قبل المرشد الاجتماعي.
3- مفهوم الذات لدى الفرد يعتمد على
طبيعة الاحترام والتقبل التي يحس بها من قبل الآخرين، ولهذا فإنه من الممكن تغيير
هذا المفهوم عن طريق الإرشاد الاجتماعي (1986, Turner).
كيفية استخدام النظرية في الإرشاد الاجتماعي:
لقد نجحت
نظرية التمركز حول العميل نجاحاً كبيراً، خصوصاً في طريقة خدمة الفرد كأحد طرق
الخدمة الاجتماعية، الأمر الذي يجعل المرشد الاجتماعي يعتمد عليها اعتماداً واضحاً
أثناء عملية الإرشاد الاجتماعي مع الأفراد، وانطلاقاً من هذه النظرية ينبغي على من
يقوم بعملية الإرشاد الاجتماعي إعطاء أهمية خاصة للفرد، وتمكينه من الأداء بكل ما
من شأنه العودة بالنفع على عملية الإرشاد. فلا بد للمرشد الاجتماعي من سماع
التاريخ الاجتماعي للحالة بقدر ما يستطيع الفرد تذكره والإفصاح عنه. كما أنه
النظرية يمكن استخدامها في الإرشاد الأسري، إذ أنه عن طريق تعليم الآباء والأمهات
بعض المهارات التي تدعو إليها هذه النظرية يستطيعون التعامل مع أبنائهم وبناتهم في
التغلب على بعض المشكلات الأسرية خصوصاً وأن المرشدين والأخصائيين الاجتماعيين
يزيدون من اهتمامهم بالأسرة كوحدة اجتماعية يجب إعطاؤها أهمية بالغة.
حدود النظرية:
هذه
النظرية تعتمد على جانب واحد أو جهة نظر واحدة في طبيعة البشر. وقد ثبت من خلال
الممارسة أن العديد من المشكلات الاجتماعية لا يمكن حلها من خلال التركيز
على عنصر واحد هو الفرد. كما أن النظرية لم ترتكز على الشعور الباطني والذي ثبت من
خلال الممارسة الأهمية البالغة التي بلغها في عملية العلاج الاجتماعي.
1- يعتقد "روجرز" صاحب
هذه النظرية أن أساس العملية الإرشادية هو تكوين علاقة إرشادية، إلا أنه لم يهتم
كثيراً بالطرق العلاجية التي يراها الآخرون ضرورية، وعلى هذا فإن أهداف الإرشاد في
نظرة محدودة.
2- استبعد "روجرز" جانب
اللاشعور أو الشعور الباطن، رغم أنه ثبت لبعض الممارسين الأهمية القصوى التي
يلعبها في الإرشاد النفسي والاجتماعي.
3- تركز النظرية على الفرد ولا تقيم
اعتباراً للعوامل الأخرى مثل البيئة، رغم الأهمية القصوى لطريقة الأخذ بالعوامل المتعددة.
(2) النظرية العقلية المعرفية:
جوهر النظرية
تقوم هذه
النظرية على أساس أن العامل الرئيس المحدد للعواطف والسلوك هو تفكير الشخص ومدى
إدراكه بالأمور من حوله. وهذا التفكير هو عملية حسية مدركه الأمر الذي يفرض على
المرشد الاجتماعي المستخدم لهذه النظرية استبعاد مفهوم اللاشعور (1993, Ivey).
أهم خصائص النظرية:
1- السلوك يحدده التفكير، نحن نلاحظ
أنفسنا في مواقف كثيرة، وكذلك الآخرون دائماً ما يتوصلون إلى أحكام نهائية حول
الشيء الذي تمت ملاحظته ويتصرفون طبقاً لهذه الأحكام. وكما قال "Adler" سلوك الشخص
دائماً ينطلق من وجهة نظرة ومفاهيمه الخاطئة تقوده إلى سلوك خاطئ (1983, Adler).
2- حياة الشخص ليست محكومة بما يسمى
"اللاشعور" رغم أن الشخص في بعض الأحيان لا يعرف جذور بعض الاتجاهات
التي تسيطر عليه.
3- كل شخص يمتلك العديد من الغرائز
الطبيعية، إلا أن العدوانة ليست من ضمن هذه الغرائز. فالعدوانية يمكن رؤيتها على
أنها ردة فعل للإحساس بالخطر أو الأحباط أو كنموذج لحياة شخص أهدافاً غير اجتماعية
لا يمكن تحقيقها.
4- معظم سلوك الأفراد ليس مدفوعاً
بغريزة الجنس، وما الغريزة إلا واحدة من العديد من الغرائز، ولذلك فليس من الممكن
افتراض أنها أساس لأي مشكلة (1986,
Turner).
كيفية استخدام النظرية في الإرشاد الاجتماعي:
تقوم
عملية الإرشاد الاجتماعي باستخدام هذه النظرية على مصطلح التركيب العقلي المعرفي،
وهو مساعدة المرشد الاجتماعي أو النفسي للعميل في عملية إعادة تنظيم الإدراك
والمعرفة في سلوك موحد هرمي من المعتقدات والاتجاهات أكثر منه مجرد تعليم مجموعة
من الاستجابات، وذلك عن طريق سبع خطوات يستخدمها المرشد الاجتماعي.
1- يقوم المرشد الاجتماعي بالتركيز
على كل ما من شأنه تنشيط روح المسترشد، وبإمكانه التغلب على جميع مشكلاته متى ما
أراد.
2- التعامل مع المسترشد انطلاقاً من
سلوكه وكل ما يراه من مفاهم وعواطف وأهداف.
3- إعطاء التشخيص إنطلاقاً من جوانب
القصور في عملية تفكير وإدراك المسترشد.
4- البحث عن نقاط القوة في المسترشد
بدلاً من التركيز على نقاط الضعف أو الاختلال، ثم محاولة تعويد المسترشد على
استخدام ما لديه من صفات حسنة.
5- أن يدرك المرشد الاجتماعي أن
سلوك المسترشد متاثراً بأهدافه الشخصية في الحياة.
6- العمل على تحقيق تغيير في شخصية
المسترشد، وذلك عن طريق مفهوم الذات والوعي والإدراك بكل ما حوله.
7- أن يطلب من المسترشد أن يكون
مسئولاً عن تصرفاته الشخصية وألا يعطيه الفرصة بأن يعزو بعض هذه التصرفات إلى
الماضي أو اللاشعور أو أي مبرر آخر.
مراحل الإرشاد الاجتماعي:
المرحلة الأولى: بناء علاقة إيجابية من أجل العلاج:
العلاقة
التي يكونها المرشد مع المسترشد هي نقطة البداية وحجر الأساس في العملية
الإرشادية. ويتوقف على هذه العلاقة نجاح العملية الإرشادية وتحقيق الأهداف
المرسومة فالمسترشد دائماً يحتاج إلى الشعور بالاهتمام والعناية به وتفهم مشكلته
وواقعة الذي يعيش فيه، إضافة إلى شعوره بجدية المرشد الاجتماعي وإخلاصه في أداء
عمله. هذه العلاقة تختلف عن غيرها من العلاقات المبنية على الصداقة والمحبة، فهي
علاقة بين شخصين تنشأ وتستمر لفترة مؤقتة من أجل مساعدة المسترشد في التغلب على
بعض الصعوبات التي تواجهه وليس من السهل بناء هذه العلاقة، فالعلاقة المهنية بين
المرشد والمسترشد تختلف كثيراً عن العلاقات الاجتماعية، وإذا كان المرشد شخصاً
ناجحاً في تكوين علاقات اجتماعية بسهولة، فهذا لا يعنى بالتأكيد القدرة على بناء
علاقة إرشادية ناجحة.
ويجب أن
تكون هذه العلاقة علاقة متبادلة بين الطرفين يقوم فيها المرشد بزرع الثقة وإبراز
أهمية المسترشد وقدراته ومهاراته المتوفرة لديه من أجل استخدامها في حل المشكلة
ويكون الهدف المشترك هو خلق بيئة تسودها الثقة والاطمئنان والتخلص من حالة الشك
والقلق التي تنتاب المسترشد.
المرحلة الثانية: تحديد وتقييم المشكلة:
تحديد
المشكلة إلى يعاني منها المسترشد أمر ضروري من أجل مساعدته في حل هذه المشكلة.
وعملية تحديد المشكلة تتطلب تجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول المشكلة وحول
المسترشد وأية أطراف أخرى لها صلة بالمشكلة. وتحديد وتقييم المشكلة أمر بالغ
التعقيد وذلك لاعتبارات عديدة أهمها:
1- أن تحديد أي مشكلة أمر بالغ
الصعوبة.
2- هل من الممكن أن ينجح المرشد
الاجتماعي في تقييم المشكلة بدون تأثير من المسترشد والطريقة التي يرى بها هذه
المشكلة.
3- ما هي المعلومات الضرورية لتحديد
المشكلة ومن باستطاعته تحديد هذه المعلومات، فقد يكون هناك معلومات ضرورية ومهمة
للغاية من أجل تحديد المشكلة، ومع ذلك لا يدلى بها المسترشد ظناً منه أنها غير
مفيدة، وفي نفس الوقت لا يطلبها المرشد الاجتماعي.
4- التعامل مع المشكلة يجب أن يكون
جدياً وفورياً مع الأخذ في الاعتبار أن المسترشد عندما حضر لمكتب المرشد الاجتماعي
فإنما حضر وهو يعاني من مشكلة يريد من يساعده في فهمها وتحديدها بدقة من أجل
التعامل معها بالحلول المناسبة. لذلك يجب على المرشد الاجتماعي أن يعي هذه الحقيقة
جيداً وأن يدرك أن المسترشد لم يحضر للعب أو إضاعة الوقت. ولا شيك أن هذه التوقعات
العالية من قبل المسترشد الباحث عن المساعدة تحمل مضمونين: أحدهما إيجابي والآخر
سلبي. فالجانب الإيجابي يفرض على المرشد الاجتماعي أن يبدأ على الفور في مباشرة
الحالة، ويستمر في العمل فيها دون تأخير، وأن يستغل حرص واندفاع المسترشد بشكل
إيجابي ويوظفه لصالح العملية الإرشادية بكاملها. أما الجانب السلبي فيتمثل في
الشعور الذي قد يصيب المسترشد في حالة مرور فترة دون تحقيق أي تقدم إضافة إلى
توقعاته أن المرشد سوف يجد له الحل السريع والمناسب لمشكلته في فترة قصيرة. لذلك
يجب على المرشد أن يكون واعياً ومدركاً لجميع هذه الأمور، وأن لا ينسى أن
المسترشدين دائماً يبحثون عن حلول لمشكلاتهم، ومتى ما وجد لديهم الإحساس بعدم
فاعلية المرشد بعدم فاعلية المرشد أو تجاهله لبعض ما يقوله المسترشد أو أعطاه
إحساساً يعكس عدم المبالاة، فإن المسترشد سيتوقف تماماً عن الإدلاء بأية معلومات
بل ربما يتوقف عن الحضور إلى المرشد الاجتماعي.
المرحلة الثالثة: تحديد أهداف الإرشاد:
مهنة
الإرشاد الاجتماعي مثل غيرها من المهن لا بد أن يكون لها هدف محدد تسعى لتحقيقه
والهدف من العملية الإرشادية من تحديده بدقة ووضوح من البداية، ولا بد من إشراك
المسترشد في رسم الهدف مع أخذ وجهه نظر المرشد الاجتماعي، وفي بعض الأحيان يكون
للمرشد دور بارز في رسم هذا الهدف عندما لا يكون باستطاعة المسترشد رؤية الأمور
بشكل واضح، أو لا يعرف ماذا يفعل، حيث يتولى المرشد ترجمة مطالب ورغبات وأمنيات
المسترشد لتصبح هدفاً تسعى العملية الإرشادية إلى تحقيقه، وتحديد أهداف العملية
الإرشادية يساعد كلاً من المسترشد والمرشد على حد سواء في المضى قدماً في عملية
الإرشاد الاجتماعي، ويصبح كل منهما على بينة من الأمر ويعرف الهدف من هذا العمل
المشترك مما يعطيه دفعه قوية من الحماس والاستمرار في هذه العملية. وقد يكون هناك
أكثر من هدف للعملية الإرشادية، كما أنه بالإمكان وضع أهداف قصيرة ومتوسطة من أجل
الوصول إلى الأهداف النهائية لعملية الإرشاد الاجتماعي كما أن التركيز مع المسترشد
على بعض الهموم غير المحددة من قبل المسترشد ومن ثم تحويلها إلى أهداف محددة أمر
يكتنفه بعض الصعوبات، ومن هنا نستطيع القول أن عدم معرفة العملاء، وماذا يريدون
وعدم إعطائهم وصفاً دقيقاً لما يدور بداخلهم أمراً يعوق عملية تحديد أهداف العملية
الإرشادية. وعدم تحديد الهدف من العملية الإرشادية تحديداً دقيقاً ينبغي أن لا
يعوق العملية الإرشادية، لأن وجود أهداف حتى لو لم تكن محددة أفضل من عدم وجود
أهداف إطلاقاً. وينبغي على المرشد أن يساعد المسترشد في تحديد هدف رئيسي محدد
يحاول الوصول إليه، ثم يقوم بمساعدته أيضاً في رسم الأهداف المرحلية والمتوسطة
والقصيرة التي تساعد في تحقيق الهدف الرئيس.
استراتيجيات التدخل من أجل العلاج:
أولاً: أساليب التدخل الوجداني:
الشعور
والإحساس هما المسئولان عن لجوء الكثير منا إلى الإرشاد وطلب الإجابة من الآخرين
على ما يدور بداخلنا من مشاعر. ونستطيع القول أن معظم أساليب التدخل الوجداني
مستمدة من العلاج الذي يهتم بضرورة التفريق بين الواقع وبين إحساسنا بهذا الواقع
إن عالمنا الداخلي الملئ الأحاسيس الوجدانية هو الواقع الذي نعيشه وننظر إلى
الحياة عبر نافذة هذا الواقع الداخلي (1993, Ivey).
أهداف أساليب التدخل الوجداني:
1- مساعدة العملاء على شرح شعورهم
أو حالات الشعور التي لديهم.
2- التغيير أو المصادقة على بعض هذه
الأحاسيس الوجدانية.
3- احتواء بعض هذه الأحاسيس
الوجدانية ومساعدة العميل على السيطرة عليها كثير من الناس يأتون إلى مكتب المرشد
الاجتماعي ولديهم شعور قاطع أن هناك شيئاً خطأ في حياتهم ولكنهم غير قادرين على
تحديد أو مناقشة هذا الشيء. وقد يكون ذلك راجعاً إلى أسباب ثقافية أو اجتماعية أو
غيرها من العوائق التي تمنع الشخص من الحديث والمناقشة عن بعض أحاسيسه ومشاعره
الداخلية، ففي ثقافتنا السائدة يسود اعتقاد بأن التشكى أو مناقشة المشكلات الداخلية
ليست من شيم الرجال، كما أن مناقشة المشكلات خارج نطاق الأسرة أمر مرفوض لدى
الغالبية من أعضاء المجتمع السعودي، كما أنه ليس من المستحسن للرجل أو المرأة
الإفصاح عن شعورهما تجاه بعضهما البعض أمام الآخرين من أفراد الأسرة، وزيادة على
ذلك فإن المجتمع يمارس ضغوطاً على بعض أفراده من أجل عدم الإفصاح عن مشاعرهم،
فالمرأة ليس من المقبول لها الكلام عن الحب أو عن ما يدور بداخلها تجاه الطرف
الآخر، كما أن الأطفال لا يعطون الفرصة لمناقشة مشاعرهم وأحساسيسهم الداخلية ولا
يسمح لهم حتى بمجرد التعبير عنها أو الاستفسار عن بعض ما يجول بداخلهم من العواطف
الوجدانية، ليس هذا فحسب بل قد يصل الأمر بالبعض إلى الإنكار وعدم التصديق بأن
هناك شيئاً يسمى الشعور الداخلي، وأن التعبير عنه يساعد الفرد في الشعور بالإتياح،
وأنه من الممكن لبعض الأفراد اللجوء إلى مكاتب الإرشاد الاجتماعي للمساعدة في مثل
هذا الوضع، فنجد البعض يأخذ مثل هذه الأمور مأخذ السخرية ويجعلها مجالاً للسخرية
والاستهزاء وبلا شك أن دور المرشد الاجتماعي مع مثل هذه الحالات يعد أكثر صعوبة،
إذ لا بد أن يعمل مع العملاء على التخلص من بعض هذه المفاهيم التي تقوق عملية
الإرشاد الاجتماعي. وقد يجد المرشد الاجتماعي نفسه في حاجة إلى المزيد من الوقت من
أجل العمل مع العملاء على تغيير بعض قناعتهم ومعتقداتهم حول موضوع معين أو من أجل
إعدادهم بشكل جيد لمواجهة رفض المجتمع لبعض المشاعر والقناعات الجديدة التي
سيقومون بتطبيقها واستخدامها في حياتهم.
مساعدة العملاء في تغيير مشاعرهم الوجدانية:
من أهم
وظائف المرشد الاجتماعي العمل على مساعدة العملاء في التعبير الصحيح عن مشاعرهم
وأحاسيسهم الوجدانية، والتأكد من اتباع الطرق الصحيحة في التعبير عن هذه المشاعر
الوجدانية إضافة إلى سلامة إيصالها للآخرين. وينبغي للمرشد الاجتماعي أن يفهم بشكل
دقيق مشكلة العميل وشخصيته وثقافته المرجعية ومعتقداته الأيدلوجية والاجتماعية
والثقافية وذلك من أجل مساعدة العميل على التعبير والشرح الكامل لمشاعره وأحاسيسه
وعواطفه. كما أن هذه العملية لا بد أن يصحبها احترام كامل وقناعة تامة بالعميل
كشخص لديه الكثير من المهارات والمقدرة في على التغلب على مشكلاته.
ثانياً: التدخل الإدراكي (المعرفي):
هناك
اختلاف واضح بين الإحساس العاطفي وبين التفكير العقلاني، ودائماً ما نسمع الآخرين
يرددون استخدام عقلك ولا تستخدم عاطفتك في الحكم على شيء معين. وأساليب التدخل
المتقدمة التي سبقت مناقشتها عن التدخل العاطفي الوجداني المهتم بعواطف الشخص
وأحاسيسه مثل الشعور بالخوف والشعور بالغضب وغيرهما، تختلف عن أساليب التدخل
العقلاني المعرفي، إذ أن هذه الأساليب تعتمد على العقل والمعرفة والأفكار التي
يحملها الشخص، ومن المعروف أن كلمة إدراك Cognition تحتوى على الأفكار والمعتقدات واتجاهات الشخص نحو نفسه ونحو
الآخرين، وإحساس الشخص بالعالم من حوله (1983, Adler).
أهداف أساليب التدخل الإدراكي:
الهدف
الأساس لهذه الأساليب من التدخل المهني هو تعديل السلوك أو مساعدة الفرد على تبنى
سلوك جديد، وذلك عن طريق تغيير أن تصحيح بعض الأفكار التي يتبناها الشخص، وتتم
عملية التغيير عندما يبدأ الفرد في مراجعة بعض الأفكار والمعتقدات التي يؤمن بها
ويحاول إعادة تقييمها وتغيير بعضها بأفكار جديدة تتمشى مع الواقع وتكون أكثر
واقعية حول الذات وحول الآخرين (1976, Beck).
معوقات الإرشاد الاجتماعي:
ظهرت
الحاجة إلى الإرشاد الاجتماعي في بداية هذا القرن وازدادت الحاجة إليه مع ازدياد
مشكلات الحياة وتعقدها الناتج عن الطفرة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي
يمر بها المجتمع السعودي. وبدأ الإرشاد الاجتماعي يمارس من قبل الأخصائيين
الاجتماعيين ويقدم عن طريق المؤسسات ذات العلاقة بالخدمة الاجتماعية ومجالاتها.
وتعتبر ممارسة الإرشاد الاجتماعي كأحد أهم مجالات الخدمة الاجتماعية في المجتمع
السعودي تجربة جديدة لا تزال في باكورة عصرها تحتاج إلى المزيد من الوقت ويكتنفها
العديد من العقبات التي لا بد من التغلب عليها وإيجاد حلول لها.
ومن أهم
هذه الصعوبات التي تواجه المرشدين الاجتماعيين ومجال الإرشاد الاجتماعي بشكل عام
ما يمكن أن نسميه معوقات الإرشاد الاجتماعي في المجتمع السعودي. ورغم كون معوقات
الإرشاد الاجتماعي بشكل عام تكاد تكون متشابهة في بعض الأمور إلا أن المجتمع
السعودي ذا الخاصية المميزة يواجه المرشدين الاجتماعيين بمعوقات كثيرة، ومن أهم
هذه المعوقات ما يلي:
1 –
معوقات ذاتية وبيئية.
2 – معوقات اجتماعية.
3 –
معوقات ثقافية.
أولاً: المعوقات الذاتية والبيئية:
يقصد
بالمعوقات الذاتية كل صعوبة تنشأ أثناء ممارسة الإرشاد الاجتماعي، ويكون مردها
ومنبعها من شخص المرشد الاجتماعي أو المسترشد أو البيئة المحيطة بهما. وبما أن
المرشد الاجتماعي ينتمي إلى البشرية فإن هذا يعني أنه ليس بمعصوم من الخطأ وعرضه
للكمال في الأوقات والنقصان في بعض أوقات أخرى. والعمل الاجتماعي بشكل عام يصاحبه
بعض الصعوبات والمعوقات التي تعيق عمل المرشد الاجتماعي، وهذه المعوقات قد يكون
مردها إلى شخص المرشد الاجتماعي وذلك مثل:
1- عدم الإعداد الجيد: المرشد الاجتماعي
لا بد أن يكون حاصلاً على الدرجة الجامعية في الخدمة الاجتماعية. ويلاحظ على بعض
خريجي هذه الأقسام أنه ينقصهم الإعداد الجيد للقيام بمثل هذه المهنة. وتنشر أقسام
الخدمة الاجتماعية في الجامعات السعودية وكلية الخدمة التابعة للرئاسة العامة
لتعليم البنات. ويلاحظ على برامج الدراسة في الخدمة الاجتماعية افتقارها لعنصر
التنسيق والتكامل في ما بينها، وعدم وضع مقررات وبرامج موحدة، بل إن هناك اختلافات
كبيرة في طريقة إعداد الأخصائي الاجتماعي. ومثل هذا لم يكن ليحدث لو وجد جمعية
مهنية لممارسي الخدمة الاجتماعية تكون مسئولة عن كفاءة وقوة إعداد أخصائي المستقبل
كما في المهن الأخرى. ومما لا شك فيه أن ضعف الإعداد إعطاء المرشد الاجتماعي جرعات
نظرية وعملية كافية لا بد أن ينتج عنها صعوبة بالغة تواجه هذا الأخصائي في
المستقبل وتعوقه عن أداء عملة بدون صعوبة.
2- نقص الحماس لدى المرشد: يفتقر
بعض المرشدين إلى الحماس والإقبال على المهنة التي يمارسونها، فتجد البعض منهم
ينقصه الحماس للعمل والقناعة بأن العملية الإرشادية لن تغير شيئاً في الموضوع.
وبلا شك أن مثل هذا الشعور يشكل عاتقاً كبيراً للإرشاد الاجتماعي.
3- عيوب شخصية المرشد: هناك
اختلافات شخصية كبيرة بين المرشدين الممارسين للخدمة الاجتماعية، ومن المؤسف أن
بعض الأخصائيين يحملون شخصيات مليئة بالعيوب والقصور كأن يكون الأخصائي غير أهل
لثقة المسترشد أو كثير النسيان، أو لا يجيد الحديث بطريقة مقنعة للمسترشد. ومن الطبيعي
جداً أن تترك مثل هذه التصرفات صعوبات ومعوقات للعملية الإرشادية بكاملها.
4- عدم تجاوب المسترشد: يجب أن نعي
جيداً أن العمل الاجتماعي عمل ليس مضموناً نجاحه في نهاية الأمر فقد يكون المرشد
على مستوى عال من الإعداد والعمل الدؤوب مع المسترشد ورغم هذا تتعرقل العملية
الإرشادية أكثر من مرة، وقد تتوقف لبعض الوقت أو تنتهي بدون أي نتيجة إيجابية،
وذلك بسبب عدم تجاوب المسترشد بأي شكل. ويعتبر مثل هذا الشيء أمراً مألوفاً في بعض
المواقف الإرشادية، ويجب أن لا يأخذ أكثر من حجمه، ويمتد ليعوق المرشد الاجتماعي
في مواقف أخرى.
كما أن هناك بعض المعوقات البيئية التي تعرقل العملية الإرشادية
وذلك مثل:
1 – طبيعية
المشكلة: فقد تكون المشكلة غير قابلة للإرشاد الاجتماعي وذلك مثل الإصابة بمرض
خطير أو التخلف العقلي.
2 – المؤسسة:
المؤسسات الاجتماعية التي يقدم الإرشاد الاجتماعي من خلالها تشكل عقبة تعترض نجاح
العملية الإرشادية. فقد تكون المؤسسة محدودة الموارد قليلة الميزانية، أو أن
نظامها معقد يتطلب سلسلة من الإجراءات كلما أراد المرشد القيام بأية خطوة تخدم
العملية الإرشادية.
3 – كثرة الحالات
وضغط العمل: قد يشكل ضغط العمل وكثرة الحالات التي يشرف عليها المرشد الاجتماعي
عائقاً كبيراً يمنع المرشد الاجتماعي من إعطاء الوقت الكافي لكل حالة، مما يقود
إلى فشل العملية الإرشادية لبعض الحالات.
4 – المحيط
الاجتماعي: يؤثر المحيط الاجتماعي لأية حالة تأثيراً كبيراً فكما أن المحيط
الاجتماعي الصالح يكون له تأثيراً إيجابياً، فإن المحيط الاجتماعي الفاسد يعطل
الإرشاد الاجتماعي، فقد تكثر فيه عوامل الانحراف والفساد، ومثال ذلك عندما ينتمي
المسترشد إلى أسرة أو حي ملئ بالانحرافات واستخدام المخدرات.
5 – الخطة
الإرشادية: يقوم بعض المرشدين الاجتماعيين بوضع خطة إرشادية معقدة وبعيدة عن
الواقعية ومن الصعب تنفيذها، نظراً لما تحمله من الأمور القاسية والشروط الصعبة،
ومما لا شك فيه أن مثل هذه الخطة تمثل عائقاً يمنع نجاح العملية الإرشادية.
ثانياً: المعوقات الاجتماعية:
مهنة
الخدمة الاجتماعية بشكل عام هي مهنة مستمدة من المجتمع الذي تمارس من خلاله وتتأثر
كثيراً به والإرشاد الاجتماعي كأحد مجالات الخدمة الاجتماعية عرضه لكل المؤثرات
المجتمعية. وينبغي على المرشد الاجتماعي أن يتفهم المحيط الاجتماعي وأن يتوقع بعض
المعوقات النابعة من المحيط الاجتماعي السائد في المجتمع. ومن أهم هذه المعوقات ما
يلي:
1- نقص الوعي لدى أفراد المجتمع:
يعتبر مجال الإرشاد الاجتماعي من المجالات الحديثة التي نمت وتطورت من خلال القرن
العشرين. وتختلف المجتمعات عن بعضها البعض في درجة الوعي والاهتمام بالإرشاد
الاجتماعي. ففي الوقت الذي بلغ فيه الاهتمام بهذه المهنة مستوى مرتفعاً في
المجتمعات الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. نجد أن هذا الاهتمام لا يزال دون
المستوى المطلوب في البلدان العربية والمجتمع العربي على وجه الخصوص. وقد يكون ذلك
راجعاً لحداثه المهنة. ومهما يكن الأمر فإن نقص الوعي لدى أفراد مجتمع ما بأهمية
الإرشاد الاجتماعي يقود إلى عدم الاهتمام به وعدم إعطاء المرشدين الاجتماعيين
الفرصة الكافية لتقديم ما لديهم الأمر الذي يشكل عائقاً اجتماعياً لاستمرار هذه
المهنة.
2- الموروث الاجتماعي: ثقافة
المجتمع عبارة عن سلسلة متصلة الحلقات بين الأجيال، ومن المسلم به أن جزءاً كبيراً
من ثقافة أي مجتمع ما هي إلا عبارة عن موروث اجتماعي من الأجيال السابقة يصعب
التخلى عنه أو تركه بسهولة. وبشكل الموروث الاجتماعي صعوبة بالغة تتمثل في مقاومة
كل جديد ورفض كل ما هو مألوف لدى أفراد هذا المجتمع بغض النظر عن الفائدة والنفع
المتوقعة من هذا الجديد.
3- الوصم الاجتماعي: يرتبط الإرشاد
الاجتماعي أو الإرشاد النفسي لدى البعض بأنه يجب أن يكون مقصوراً على الأشخاص
الذين يعانون من اضطرابات نفسية، بل يذهب البعض إلى أن هؤلاء الأشخاص بهم مس من
الجن، الأمر الذي يجعل البعض يتعامل معهم بسرية كاملة عندما يطلبون مثل هذه
الخدمة، وذلك خوفاً من الوصم الاجتماعي المصاحب لمثل هذه الحالة. وينظر إلى الشخص
الذي يتردد على المرشدين بأنه شخص غير سوى يفضل البعض تجنبه أو عدم الحديث معه
خوفاً من أن يصيبه أذى.
ثالثاً: المعوقات الثقافية:
الثقافة
السائدة في مجتمع معين هي العامل المؤثر في نجاح أو فشل أي عمل يراد تقديمه لهذا
المجتمع. والإرشاد الاجتماعي نظراً لكونه يقتضى التعامل مع المعتقدات والثوابت
الثقافية.
ويعتقد
البعض أن اللجوء إلى المرشدين الاجتماعيين والنفسيين يعتبر خروجاً على التقاليد
المجتمع الذي يرى أن مشكلات الأسرة لا بد وأن يتم حلها من خلال الأسرة مراعاة عدم
اللجوء إلى أشخاص خارج الأسرة. نظراً لاعتباره تدخلاً خارجياً في شئون الأسرة
وأسرارها، ومثل هذه المفاهيم السائدة في المجتمع السعودي تعتبر عاملاً مؤثراً في
ممارسة هذه المهنة. ويرى بعض أفراد المجتمع أن الذهاب إلى مكاتب الإرشاد
والاستشارات الاجتماعية أو اللجوء إلى المرشدين الاجتماعيين بأي شكل ينبغي أن يكون
مقصوراً على الأشخاص الذين يعانون من اختلال عقلي أو اضطرابات نفسية، وفي حالة
قناعتهم بضرورة اللجوء إلى طرف خارجي فإنهم يفضلون اللجوء إلى أئمة المساجد وبعض
المشايخ الذين يستخدمون القرآن الكريم في تقديم العلاج. ويتم التركيز في هذه
الحالة على الجوانب الروحية والمعنوية لدى الأشخاص، في حين أن المشكلة الاجتماعية
أو النفسية التي سببت المشكلة لا يتم التطرق إليها. وفي بعض الأحيان يلجأ البعض مع
الأسر إلى المشعوذين والدجالين الذين يعتمدون على السحر والدجل والشعوذة وغالباً
ما يخرج الأشخاص في هذه الحالة بدون فائدة بل قد يكون هناك آثار سلبية لهذه
العملية.
المقاومة والرفض في مهنة الإرشاد الاجتماعي:
التغير
أحد سمات هذا القرآن وذلك بسبب التغيرات السريعة والمتلاحقة التي تمر بها الحياة
البشرية مع إطلاله القرن الحادي والعشرين. ويمر المجتمع العربي السعودي بمنعطف حرج
في تاريخه في ظل الطفرة التنموية السريعة التي قادت إلى سلسلة من التغيرات
الاقتصادية والاجتماعية والنفسية في حياة أفراد المجتمع السعودي. وكان من الطبيعي
أن يصاحب هذه التغيرات الشاملة أنواع متعددة من المقاومة والرفض لبعض التغيرات،
ويعتبر مثل هذا الرفض أمراً طبيعياً في حياة البشرية وذلك عائد إلى طبيعة النفس
البشرية التي تميل إلى مقاومة ورفض كل جديد. وإذا كان هذا هو الحال في كافة أمور
الحياة فإنه من المتوقع أن يطال مثل هذا الأسلوب مهن المساعدة الإنسانية وفي
مقدمتها الخدمة الاجتماعية كإحدى المهن التي بدأت تظهر وتنتشر في القرن العشرين.
والكلام عن المقاومة والرفض في مهنة الإرشاد الاجتماعي يفرض علينا مناقشة هذا
الرفض وأسبابه وكيفية التغلب عليه أثناء عملية الإرشاد الاجتماعي.
تعريف الرفض:
نستطيع
تعريف الرفض على أنه كل سلوك يصدر من المسترشد من أجل منع المرشد من الوصول إلى
الهدف المرسوم للإرشاد الاجتماعي سواء كان هذا السلوك ظاهراً، كأن يرفض المسترشد
الإدلاء بأي معلومات إضافية للمرشد، أو كان سلوكاً خفياً كأن لا يعمل المسترشد
بنصائح وتوجيهات المرشد.
أساليب الرفض:
هناك
أسباب كثيرة قد تكون مسئولة عن صدور الرفض والمقاومة من المسترشد بكل ما يفعله
المرشد الاجتماعي، ومن أهم هذه الأسباب ما يلي:
1- الاختلافات الثقافية والاجتماعية
بين المرشد والمسترشد: تلعب ثقافة المسترشد دوراً أساسياً وفعالاً في مدى تقبله
للمرشد الاجتماعي. ودائماً ما تكون هذه الثقافة هي السبب في الرفض وعدم قبول
المرشد أوعد الاستماع إلى كلامه. كما أن الاختلافات الاجتماعية تكون حاجزاً بين
الطرفين على الأخص عندما يكون أحدهما رجلاً والآخر امرأة.
2- شخصية المرشد: تلعب شخصية المرشد
الاجتماعي دوراً في اجتذاب المسترشدين إليه ومدى قبولهم لكل ما يطلبه منهم. وقد
سبق الكلام عن مهارات المرشد الاجتماعي في فصل سابق من هذا الكتاب.
3- السلوك الداخلي للمسترشد: يقصد
بالسلوك الداخلي للمسترشد جميع الأنماط السلوكية والتربوية التي يسير عليها الشخص.
وبلا شك أن هذا السلوك له تأثيراً بالغ على تصرفات كل شخص في جميع مراحل حياته.
فالشخص الذي لا يمتلك الثقة في الآخرين منذ صغره لا بد أن يتأثر بمثل هذا السلوك
مع المرشد الاجتماعي.
4- الطريقة المتبعة في الإرشاد
الاجتماعي: يقوم بعض المرشدين الاجتماعيين باختيار طريقة تدخل معينة اعتقاداً منه
أن هذه الطريقة هي المثلى في هذه الحالة. إلا أنه بعض الطرق المهنية المتبعة من
قبل المرشدين غير مثالية من وجهة نظر المسترشدين. ويلجأ بعض المسترشدين إلى اتباع
أساليب مختلفة تعكس عدم موافقتهم على هذه الطرق تتجلى في شكل من أشكال الرفض أو
عدم التقبل للمرشد وكل ما يقوم به.
عوامل خارجية: هناك العديد من العوامل التي تكون خارجة عن إرادة
الشخص إلا أنها تترك أثراً بالغاً في كافة شئون حياته، وقد تكون سبباً في رفضه
للإرشاد الاجتماعي. فقد يرفض المسترشد القبول بالعملية الإرشادية بسبب عدم موافقة
بعض أفراد الأسرة أو بسبب تعنت الزوج أو الزوجة في بعض الأحيان.
أنواع الرفض:
يتدرج رفض
المسترشدين للمرشدين الاجتماعيين إلى عدة درجات تتراوح ما بين التقبل الكامل إلى
الرفض المطلق والمباشر لكل ما يقوم به المرشد الاجتماعي، ونستطيع أن نقسم الرفض
إلى عدة أنواع:
1- الرفض المبدئي: غالباً ما يحدث
مثل هذا النوع في بداية العملية الإرشادية، وهو أمر طبيعي ينبغي على المرشد
الاجتماعي التعامل معه من هذا المنطلق.
2- الرفض الجزئي: ويكون الرفض في
هذه الحالة منصباً على بعض الأجزاء أو بعض الجوانب والعناصر في العملية الإرشادية.
الرفض المؤقت: ومثل هذا النوع يحدث كثيراً في بعض مراحل الإرشاد
ولا يلبث أن يختفى بمرور الوقت أو يتجاوز مرحلة معينة.
3- الرفض المباشر: ويتمثل في الرفض
الذي يصدر من المسترشد بشكل مباشر وصريح، كان يرفض القيام ببعض المهام والأساليب
إلى يطلبها المرشد. ويكون مثل هذا الرفض أمام المرشد وفي حضوره.
4- الرفض غير المباشر: ويتمثل في
رفض بعض الجوانب الإرشادية عندما يذهب المسترشد إلى منزله أو عمله ويهمل ما قال له
المرشد فهو في هذه الحالة يتظاهر أمام المرشد بأنه يعمل بنصائحه وتعليماته، ولكنه
عندما يغيب عن المرشد لا ينفذ ما يطلبه منه المرشد. وقد يأخذ الرفض غير المباشر
شكلاً آخر وذلك عندما يكون المسترشد مقتنعاً بالمرشد الاجتماعي، إلا أنه رافض
للعملية الإرشادية لسبب آخر كأن يكون الرفض منصباً على المؤسسة التي يعمل المرشد
من خلالها.
5- الرفض الكلي: وهو أشد أنواع
الرفض، ويكون المسترشد في هذه الحالة رافضاً لكل ما يقوم به المرشد.
استراتيجيات التدخل من أجل التغلب على رفض الإرشاد الاجتماعي:
المقاومة
والرفض في مجال الإرشاد الاجتماعي شيء متوقع حدوثه في أي فترة أثناء العملية
الإرشادية. والتغلب على هذا الشيء أمر ليس بمستحيل فهناك العديد من الأساليب
والاستراتيجيات التي يلجأ إليها بعض المرشدين الاجتماعيين من أجل التغلب على الرفض
وإزالته، ومن أهم هذه الاستراتيجيات ما يلي:
1- تحديد وتشخيص الرفض: المرشد
الاجتماعي الذي يواجه بعدم القبول والرضا من قبل المسترشد لابد أن يقوم بتشخيص
الوضع وتحديد نوع هذا الرفض تحديداً دقيقاً كخطوة أولى في سبيل التغلب على هذا
الرفض. ويجب على المرشد الاجتماعي أن ينطلق من مرتكز واحد في هذه المرحلة، وهي
لماذا الرفض؟ حيث أن معرفة الإجابة على هذا السؤال تمكن المرشد من رسم خطة التدخل
المناسبة من أجل القضاء على مثل هذا الرفض.
2- القبول الشكلي للرفض: على المرشد
الاجتماعي أن يدرك أن الرفض الذي يصدر من بعض المسترشدين هو أمر متوقع، وقد يكون
عادياً في بعض الأحيان، ولا بد من قبوله شكلياً والتعامل معه بشكل موضوعي.
3- فتح باب المناقشة: يجب على
المرشد أن يفتح جميع القنوات من أجل المناقشة بينه وبين المسترشد أو المسترشدين.
ومن المتوقع أن فتح مجال المناقشة من شأنه يقضى على بعض جوانب الرفض الموجودة لدى
المسترشد أو يضعف منها.
4- المردود السريع: يقصد بالمردود
السريع في هذا المجال أن يقوم المرشد الاجتماعي بعمل أي شيء أو أن يقوم بتدخل مهني
له مردود سريع على المشكلة التي يعاني منها لأن مثل هذا التصرف من شأنه أن يدعم
ثقة المسترشد في المرشد الاجتماعي ويجعله أكثر إقبالاً على العملية الإرشادية.
5- المزيد من الإيضاح: يحدث الرفض
أحياناً بسبب نقص بعض المعلومات وعدم توفرها للمسترشد. الأمر الذي يفرض على المرشد
الاجتماعي القيام بالمزيد من الإيضاح والشرح لبعض الجوانب الغامضة في العملية
الإرشادية. وعلى المرشد الاجتماعي أن يقوم بالمزيد من الشرح والتوضيح عندما يواجه
بالرفض وعدم القبول أثناء أي فترة من فترات الإرشاد الاجتماعي.
6- توسيع دائرة الاتصال: فعالية
الاتصال أحد أهم أسباب نجاح الإرشاد الاجتماعي، ويتوقف عليها الكثير من عوامل التفاهم والقبول بين
المرشد والمسترشد. ومن الطبيعي أن ضعف مثل هذا الأسلوب أو عدم كفايته ربما ينعكس
على مستوى القبول والتفاهم بين الطرفين. ومن هذا المنطلق فإنه ينبغي على المرشد
الاجتماعي أن يفحص جميع قنوات الاتصال بينه وبين المسترشد، وبالأخص عندما يحس بأن
هناك بعض المقاومة والرفض وذلك استعداداً لتوسيع دائرة الاتصال واستخدام أساليب
جديدة قد تضيف المزيد من التفاهم والقبول بين الطرفين.
مساحة من الحرية، طبيعتنا البشرية تملى علينا رفض كل شيء نعتقد أنه
مفروض علينا. ومن الطبيعي أن يحس المسترشد بمثل هذا الرفض عندما يتعامل مع المرشد
الاجتماعي. والمرشد الاجتماعي الماهر يجب عليه أن يعي جيداً مثل هذه الأمور، ويقوم
بإعطاء مساحة من الحرية للمسترشد يستطيع من خلالها إبداء وجهة نظره وتقريب
اختلافاته مع المرشد الاجتماعي.
7- الخطة البديلة: يقوم بعض
المرشدين بإيجاد خطة إرشادية بديلة في حالة قام المسترشدين بتحفظهم أو رفضهم
للطريقة المتبعة في الإرشاد الاجتماعي، وتنجح هذه الطريقة في بعض المواقف العلاجية
والإرشادية خصوصاً عندما يقوم المسترشدون برفض الخطة الأصلية.